خولة علي (دبي)

اشتهرت المناطق الشرقية المطلة على الساحل الشرقي الدافئ بـ«المالح»، هذه الوجبة القديمة المتجددة والمرتبطة بالصيف والتي ما زالت تستقطب الكثيرين، طلباً لشرائها، في ظل تواجد السمك الطازج بوفرة في وقتنا الحالي، إلا أن سمك المالح له الطعم الخاص، ما يجعله وجبة استثنائية ومميزة، تفتح لنا آفاق الماضي، في مشهد يرصد ارتباط الأهالي قديماً بالبحر، وما طوروه من أعمال ومنتجات بغية الحفاظ عليه واستهلاكه لفترة أطول، خصوصاً سكان الجبال وبالتحديد في دبا الحصن.
ونظراً لعدم توافر أجهزة التبريد في الماضي فقد عكف الأهالي قديماً، خاصة في فصل الصيف، على استخدام أساليب معينة لحفظ الأطعمة ومنها اللحوم والأسماك وذلك بالتمليح، وتعمل هذه التقنية على امتصاص الملح للرطوبة من الأسماك أو اللحوم بشكل عام، مما يعمل على خلق بيئة غير مناسبة لنمو البكتيريا، وإعطاء ميزة لبقاء اللحوم لسنوات صالحة للاستهلاك.

خبرة طويلة
ويعتبر الوالد درويش أحمد، واحداً من أشهر صانعي المالح بخبرته الطويلة الممتدة إلى قرابة 40 سنة، موضحاً قيمة وأهمية هذه الحرفة التي عرفها أهالي الجبال واشتهروا بها، متحدثاً عن أسلوب اعتاد الأهالي قديماً استخدامه بغية الحفاظ على مخزون من الأسماك التي عادة ما يقدمها لهم البحر كثمار وفيرة من عطاء الرحمن، مما يصعب عليهم حفظ الفائض منه؛ نظراً لعدم توافر البرادات وتقلب الأجواء البحرية، وصعوبة دخول البحر، ما يمنع توافر السمك اليومي الطازج للصيادين؛ لذا لزمت الحاجة لحفظها بالملح لاستهلاكها فترات طويلة، ولجلبها معهم إلى مزارعهم في أشهر الصيف، والاستمتاع بمذاق السمك المالح مع حبات الرطب الوفيرة التي تحملها شماريخ النخيل التي تنتشر بكثرة على رؤوس الجبال، في مشهد يصور مدى ارتباط الإنسان ببيئته واستنهاض مواردها لتلبية احتياجاته الحياتية البسيطة وقتذاك.

تقنية تخزين المالح
وللتعرف على المزيد من تقنية التخزين والحفظ بالملح، يقول الوالد درويش أحمد: عادة ما يصنع المالح من أجود أنواع الأسماك منها القباب، والشعري، والصدى كما يعتبر سمك الكنعد من أجودها وألذها، حيث يتم تنظيف السمكة جيداً وتفريغ أحشائها مع إزالة الرأس، وهي الطريقة المعتادة عند تنظيف الأسماك، ويتم عمل شق من المنتصف لتصبح قطعتين متماثلتين، وتتم تغطيتها بكميات كبيرة من الملح الخشن وهو ملح البحر، مع وضع كل قطعة بعد الانتهاء منها ورصها في وعاء محكم الإغلاق. ويضيف: في الماضي كانت الأوعية مصنوعة من أوانٍ فخارية تسمى «خرس»، ومع دخول الصفائح المعدنية تم استخدامها في التخزين، ولكن في وقتنا الحالي يتم تخزينها في أوعية بلاستيكية، خفيفة وسهلة الحمل، وتستغرق مدة تخمير الأسماك من 45 إلى 50 يوماً بعد تمليحها، ويتم حفظ وعاء المالح في مكان نظيف وجاف، ويفضل إزالة غطاء الوعاء وتغطيته بشاش نظيف وذلك للتهوية، ومع جاهزيته للأكل خلال سنة من تمليحه، يتم تناوله مع الأرز كوجبة غداء رئيسة.

صون الموروث
ويشير الوالد درويش، قائلاً: وجود هذه المهرجانات السنوية للمالح، هي إشارة لأهمية إحياء هذه الحرفة القديمة التي أصبح الطلب عليها في تزايد من مختلف مناطق الدولة، مع زيادة عدد العاملين فيها من المواطنين لحماية وحفظ هذا الموروث الذي ارتبط بنمط حياة الأهالي قديماً، وصون ما ورثناه من آبائنا وأجدادنا من مهن لا نزال نقتات عليها في الوقت الحالي، ونحن بدورنا نحفز الأبناء على التعرف على فنون صناعة المالح وأهميته كمنتج يعود إلى الماضي، ليبقى حاضراً على موائدنا، في ظل تنوع الأطعمة المستوردة التي تزدحم بها الأسواق.